الفهرس

الوقف والابتداء

* مقدمة :
• الأصل في هذا الباب:
۱) ما ورد عن النبي أنه كان يقف على رؤوس الآي فيقول: "بسم الله الرحمن الرحيم" ويقف ثم يقول "الحمد لله رب العالمين" ويقف وكان النبي- صلى الله عليه وسلم - يعلم ذلك للصحابة.
۲) سئل الإمام علي بن أبي طالب رضي الله عنه عن معنى الترتيل فقال: "تجويد الحروف ومعرفة الوقوف".
• حكم الوقف شرعا:
لا يوجد في القرآن وقف واجب يأثم القارئ بتركه، ولا وقف حرام يأثم القارئ بفعله وإنما يرجع الوجوب والتحريم إلى قصد القارئ فقط.
• الوقف والسكت والقطع :
* الوقف:
* لغة: الحبس والمنع
* اصطلاحا: قطع القراءة عما بعدها وقتا من الزمن مع التنفس بنية استكمال أو استمرار القراءة.
* محل الوقف:
١- آخر الآيات.
٢- أثناء الآيات.
٣- فيما انفصل رسما، ولا يكون في وسط الكلمة ولا فيما اتصل رسما.
وضد الوقف الوصل أي وصل الكلمة بما بعدها دون تنفس .
                     ** السکت :
* لغة: المنع.
* اصطلاحا: قطع الكلمة عما بعدها وقتا من الزمن بدون تنفس مع قصد استمرار القراءة.
* السكت في رواية حفص عن طريق الشاطبية:
أ- السكتات الواجبة:
١- السكت على الف (عوجا) بسورة "الكهف" عند وصلها بكلمة (قيما) (عوجا قيما).
٢- السكت على ألف (مرقدنا) بسورة يس" عند وصلها بكلمة (هذا)( مرقدنا هذا )
٣- السكت على نون (من) بسورة " القيامة "عند وصلها بكلمة راق" (من راق) .
ب - السكتات الجائزة:
١- السكت على كلمة (عليم «٧٥» براءة ) آخر سورة الأنفال" عند وصلها بأول سورة "براءة ".
٢- السكت على هاء (ماليه «٢٨» هلك) بسورة الحاقة عند وصلها بكلمة "هلك"
وهاتان السكتتان جائزتان لأن هناك أوجها أخرى يؤدى بها هذان الموضعان علامة السكت في المصحف (س) صغيرة توضع على آخر الكلمة المسكوت عليها وقد وضعت قولا واحدا على المواضع الأربع الواجبة وكذلك على هاء مالية في الأغلب ولم توضع على آخر سورة الأنفال "عليم" لأن الوقف بين السورتين هو المقدم أداء.
                     ** القطع:
* لغة: الفصل والإزالة
* اصطلاحا: قطع الكلمة عما بعدها وقتا من الزمن مع التنفس دون قصد استمرار القراءة.
* محله: أواخر السور غالبا أو الأجزاء أو الأرباع أو رءوس الآي فإذا عاد القارىء بعد قطع استحب له أن يستعيذ بالله لقوله تعالى: (فإذا قرأ القران فاستعذ بالله من الشيطن الرجيم) .
* أقسام الوقف:
١- الاضطراري
۲ - الأنتظاري
٣- الاختباري ( بالموحدة )
٤ - الأختياري (بالمثناة التحتية).
(١) الوقف الاضطراري: هو أن يقف القارئ مضطرا على كلمة ما بسبب ضيق نفس او عطاس أو عجز أو نسيان.
• حكمه: الجواز وللقارئ الوقف على أي كلمة متى دعته الضرورة إلى ذلك ثم يعود فيبدأ بالكلمة التي وقف عليها أو التي قبلها مراعاة للابتداء الصحيح
(٢) الوقف الانتظاري: هو الوقف على كلمة ما عند جمعه للقراءات ليأتي على ما فيها من أوجه الخلاف
• حكمه: جائز مع مراعاة المعني.
(٣) الوقف الاختباري هو الوقف على الكلمة التي ليست محلا للوقف لبيان حكمها من حيث القطع أو الوصل أو الحذف أو الاثبات وما رسم بالتاء المجرورة أو المربوطة و غير ذلك.
• حكمه: الجواز مع مراعاة الابتداء الصحيح بعد الوقف على هذه الكلمة.
(٤) الوقف الاختياري: هو الوقف على الكلمة باختيار القاريء دون حدوث ضرورة تلجىء للوقف، وسمي اختياريا لحصوله بمحض اختيار القاری .
• حكمه: الجواز إن روعي المعنى واللفظ، وممنوع إن لم يراعى المعنى واللفظ وسيتضح ذلك من خلال دراسة أقسامه.
* أقسام الوقف الاختيارية :.
 قسم الوقف الاختياري إلى أربعة أقسام:
١- الوقف التام.
٢- الوقف الكافي.
٣- الوقف الحسن.
٤ - الوقف القبيح.
* الوقف التام :
* الأمثلة:
(أ)
١- قال الله تعالى: ( زين الذين كفروا الحيوة الدنيا ويسخرون من الذين ءامنوا. والذين اتقوا فوقهم يوم القيامة ).
٢- قال تعالى: ( إنما يستجيب الذين يسمعون .والموتى يبعثهم الله ثم إلينا يرجعون )
(ب)
١- قال الله تعالى: ( يٰأيها الذين ءامنوا لا تقولوا راعنا وقولوا انظرنا واسمعوا ).
٢- قال تعالى: ( فاعفوا واصفحوا حتى يأتي الله بأمره .إن الله على كل شئ قدير ).
* الشرح
تأمل الأمثلة في القائمة (أ):
تجد أن الكلمات ( ءامنوا، يسمعون ) عليها علامة الوقف اللازم (م) وهذه العلامة تعني لزوم الوقف على هذه الكلمات فالمعنى قد تم عندها ولو وصلنا هذه الكلمات بما بعدها لحدث تغيير في المعنى المراد ففي المثال الأول عند وصل (ءامنوا) بقوله تعالى والذين اتقوا الظن المستمع أن السخرية تقع من الكفار علي الذين ءامنوا والذين اتقوا يوم القيامة وهذا غير صحيح.
وفي المثال الثاني لو وصلت كلمة (يسمعون) بكلمة (الموتی) لظن المستمع أن الموتى يستجيبون كالذين يسمعون وهذا غير صحيح. وهذا الوقف على هذه الكلمات يسمى بالوقف التام اللازم.
وفي الأمثلة (ب):
لاحظ الكلمات (اسمعوا، بأمره) والتي عليها علامة الوقف (قلي) تجد أن المعنى تم عندها وليس هناك تعلق بين الكلمات الموقوف عليها وما بعدها في اللفظ أو المعنى فقوله تعالى (وللكافرين عذاب أليم) جملة جديدة مستأنفة مستقلة في اللفظ والمعنى وهكذا في المثال الثاني" إن الله على كل شيء قدير" جملة مستأنفة جديدة مستقلة في اللفظ والمقي ولاحظ أن وصل الكلمات ( اسمعوا ، بأمره) بما بعدها لا يترتب عليه أي تغيير في المعنى ومثل هذا الوقت يسمى بالتام المطلق وعلامته (قلي) .
القاعدة:
ينقسم الوقف التام إلى قسمين:
أ- التام اللازم: هو الوقف على كلام تم في ذاته ولم يتعلق بما بعده في اللفظ ولا المعنى ولو وصل بما بعده لتغير المعنى المراد.
• علامته في المصحف: (م) أفقية.
• حكمه: يلزم الوقف عليه ويلزم الابتداء بما بعده.
ب- التام المطلق: هو الوقف على كلام تم في ذاته ولم يتعلق بما بعده في اللفظ ولا المعنى ولو وصل بما بعده لم يحدث تغيير في المعنى .
• علامته في المصحف: (قلي) وهي تعني أن الوقف أولى من الوصل.
• حكمه: يحسن الوقف علية ويحسن الابتداء بما بعده.
٢- الوقف الكافي :
* الأمثلة :
(أ) ١- ( ختم الله على قلوبهم وعلى سمعهم  وعلى أبصارهم غشاوة  ولهم عذاب عظيم ).
٢- ( في قلوبهم مرض فزادهم الله مرضا  ولهم عذاب أليم بما كانوا يكذبون )
(ب) ١- (كلوا من طيبات ما رزقناكم وما ظلمونا ولكن كانوا أنفسهم يظلمون)
٢- (قالوا ادع لنا ربك يبين لنا ما هي  قال إنه يقول إنها بقرة لا فارض ولا بكر)
* الشرح
اقرأ الأمثلة (أ) ولاحظ الكلمات (سمعهم، غشاوة ، مرضا) تجد أن الوقف على هذه الكلمات أفاد معني، ولاحظ الجمل القرآنية بعدها تجد أن معناها مكمل لمعني ما قبلها مع عدم وجود علاقة في اللفظ علي الوجه (في الإعراب) ووجود علاقة في اللفظ من وجه آخر وهو الراجح؛ لذلك جعل الوصل أولي في هذه المواضع من الوقف والعلامة (صلي ) تعني أن الوصل أولى طلبا لإتمام المعنى وزيادة وضوحه، وكل وقف هذه صفته يسمی بالوقف الكافي الذي يجوز الوقف عليه والابتداء بما بعده.
• ثم اقرأ الأمثلة (ب) ولاحظ الوقف على الكلمتين (رزقناكم ، هي) تجد أن المعنى قد تم على هذه الكلمات من وجه فيوقف عليها لعدم وجود علاقة في اللفظ ولم يتم من وجه آخر فلا يوقف عليها لوجود علاقة في اللفظ والعلامة (ج) تعني الوقف مستوى الطرفين أي الوقف والوصل متساويان دون أن يكون أحدهما مقدما على الآخر وهذا الوقف أيضا هو الوقف الكافي.
* القاعدة:
• الوقف الكافي: هو الوقف على كلام تم في ذاته وتعلق بما بعده في المعنى دون اللفظ
• علامته: ١- (صلي) تعني أن الوصل أولى من الوقف.
۲ - (ج) تعني جواز الوقف وجواز الوصل.
• حكمه: يجوز الوقف عليه ويجوز الابتداء بما بعده.
• سبب تسميته: سمي كافيا لانه يفيد معنى يكتفي به لفهم المراد ويستغنى يه عما بعده .
٣- الوقف الحسن :
* أمثلة:
١- (الحمد لله رب العالمين)
٢- (ولقد جاءكم موسى بالبينات ثم اتخذتم العجل من بعده وأنتم ظالمون)
٣- (الله لا إله إلا هو الحي القيوم)
* الشرح:
اقرأ الأمثلة السابقة ولاحظ الكلمات الله، العالمين، بالبينات، هو) تجد أن الوقف على هذه الكلمات يفيد معنى ولكنه متعلق بما بعده في اللفظ والمعنى، أي أن هناك ارتباطا في الإعراب بين هذه الكلمات وما بعدها وبالتالي يوجد ارتباط في المعنى ومثل هذه الوقوفات التي صفتها كهذه تسمى بالوقف الحسن وهو على قسمين:
القسم الأول: أن يكون في أثناء الآية مثل الوقف على قوله تعالى: (الحمد لله) في المثال (۱) فهذا كلام تام يؤدي معنى صحيحا، لكنه متعلق بما بعده لفظا ومعنى؛ لأن( رب العالمين) صفة لاسم الجلالة ولا يصح فصل الصفة عن الموصوف.
وحكم هذا النوع: أنه يجوز الوقف عليه ولا يجوز الابتداء بما بعده اتفاقا ؛ لشدة تعلقه بما بعده لفظا ومعنى.
القسم الثاني: أن يكون رأس آية ويأتي على صورتين:
• الصورة الأولى: أن يكون الوقف على رأس الآية لا يوهم معنى غير المعنى المراد مثل الوقف على قوله تعالى: (الحمد لله رب العلمين) أول الفاتحة والوقف على: (لعلكم تتفكرون) بالبقرة والوقف على (يٰأيها المزمل) فهذه الوقوف وما ماثلها اختلف العلماء فيها على ثلاثة مذاهب:
المذهب الأول: يرى أصحابه أنه يحسن الوقف عليه ويحسن الابتداء بما بعده مطلقا؛ لأن الوقف على رءوس الآي سنة وهذا رأي أكثر أهل الأداء ومعهم الإمام المحقق ابن الجزري.
المذهب الثاني: يرى أصحابه أنه يحسن الوقف عليه ويحسن الابتداء بما بعده إذا كان ما بعده مفيدا لمعنى وإلا فلا يحسن الابتداء به كقوله تعالى: (لعلكم تتفكرون «٣١٩» في الدنيا والآخرة ) فإن "تتفكرون" رأس آية، ولكن لا يفيد ما بعده معنی بذاته، ومن أجل هذا فلا يحسن الابتداء بما بعده بل يستحب العود إلى ما قبله.
المذهب الثالث: يرى أصحابه أنه يحسن الوقف عليه ولا يحسن الابتداء بما بعده مطلقا وأن رءوس الآي وغيرها عندهم في حكم واحد، وهذا ما ذهب إليه أرباب الوقوف كالسجاوندي وصاحب الخلاصة وغيرهم.
• الصورة الثانية: أن يكون الوقف على رأس الآية يوهم معنى غير المراد مثل الوقف على قوله تعالى: (فويل المصلين )بالماعون، وقد اختلف العلماء فيه على ثلاثة مذاهب.
المذهب الأول: يرى أصحابه أنه لا يجوز الوقف عليه بل يجب وصله؛ لأن المصلين اسم ممدوح لا يليق به الويل، وإنما خرج من جملة الممدوحين بنعته المتصل به وهو قوله تعالى: (الذين هم عن صلاتهم ساهون)، فالوقف عليه لا يجوز إلا في حالة الاضطرار فقط، ومن أصحاب هذا المذهب الإمام المحقق ابن الجزري وصاحب نهاية القول المفيد، إذ يعدان الوقف عليه من الوقف القبيح .
المذهب الثاني: يرى أصحابه جواز الوقف على (فويل للمصلين) والابتداء بما بعده بشرط أن يكون القارئ مستمرا في قراءته ولم يقطعها وينصرف عنها لأنهم يعدون الوقف على رءوس الآي سنة، ولم ينظروا إلى إيهام ما يترتب على
الوقف من فساد المعنى.
المذهب الثالث: يرى أصحابه جواز الوقف على (فويل للمصلين) ولا يجيزون الابتداء بما بعده، بمعنى أن القارئ يقف باعتباره رأس آية؛ ليأخذ نفسه ثم يعود فيصله بما بعده.
* تتمة:
قد يكون الوقف حسنا والابتداء بما بعده قبيحا وذلك نحو قوله تعالى: (يخرجون الرسول)، فالوقف عليه حسن ولكن الابتداء بما بعده، وهو قوله تعالى: (وإياكم أن تؤمنوا بالله ربكم) قبيح لفساد المعنى إذ يصبح تحذيرا من الإيمان بالله .
وقد يكون الوقف حسنا على تقدير، وكافيا على آخر، وتاما على غيرهما نحو قوله تعالى: (هدى للمتقين) أول البقرة فيجوز أن يكون حسنا إذا جعل (الذين يؤمنون بالغيب) نعتا للمتقين، وأن يكون كافيا إذا جعل (يؤمنون بالغيب) خبرا المبتدأ محذوف تقريره: هم الذين، أو مفعولا لفعل محذوف تقديره: أعني الذين وأن يكون تاما إذا جعل مبتدأ خبره (أولئك على هدى من ربهم) .
٤- الوقف القبيح
* الأمثلة:
(أ) ١- ( بسم * الله الرحمن الرحيم )
٢- (يأيها الذين ءامنوا * اتقوا الله وكونوا مع الصابرين)
٣- ( يأيها الذين ءامنوا * إن تتقوا الله يجعل لكم مخرجا )
(ب) ١- ( وما أرسلنا من رسول * إلا ليطاع بإذن الله)
٢- ( وما من إله * إلا الله)
٣- ( وتركنا يوسف عند متاعنا فأكله الذئب )
 * الشرح
في الأمثلة (أ) قف على الكلمات التي قبل العلامة حاول أن تظهر معنى مفيدا لهذه الكلمات أو الجملة الموقوف عليها، ماذا تستفيد من معنى عند الوقف على بسم أو يا أيها الذين ءامنوا؟ ليس هناك أي معنى يستفاد من هذه الوقوفات ، والوقف على كلام لا يقيد معنى هو الوقف القبيح.
وفي الأمثلة (ب) سل نفسك ما معنى أن تقف على مثل هذه الأمثلة وما المعنى المتبادر إلى الذهن عند الوقوف عليها.
في المثال (1) المعنى المتبادر هو نفي إرسال الرسل وهذا معنى غير صحيح وفاسد؛ لأنه حدث قبل إتمام الكلام الذي يبين المعني الصحيح. قس هذا على المثالين (۲، ۳) ومثل هذا الوقف الذي يغير المعنى يطلق عليه الوقف الأشد قبحا.
* القاعدة:
الوقف القبيح: هو الوقف على كلام لا يفيد معني لشدة تعلقه بما بعده لفظا ومعنى وسمي قبيحا لقبح الوقف عليه وله صورتان.
الأولى: الوقف على كلام لا يفيد معنى كالأمثلة (أ) وحكمه لا يجوز الوقف عليه لعدم إفادته معنی.
الثانية: الوقف على كلام يوهم غير المعنى المراد ويفيد معنا فاسدا كالأمثلة (ب) وحكمه أيضا لا يجوز الوقف عليه وإن تعمده القارئ أثم وعوقب بحسب قصده من هذا المعنى ويطلق على هذه الصورة الوقف الأشد قبحا.
ليس للوقف القبيح علامة في القرآن على الصحيح وقال البعض: إن علامة الوقف القبيح وضع (لا)، والصحيح أنها علامة الوقف الممنوع، وعليه فقد تكون علامة أيضا للوقف الحسن، والله أعلم.
                 **الابتداء:
مقدمة:
قال ابن الجزري" رحمه الله": الابتداء لا يكون إلا اختياريا، لأنه لیس کالوقف تدعوا إليه الضرورة ولا يجوز البدء إلا بمعنی مستقل موف بالمقصود غير مرتبط بما قبله بالمعنى ويجوز الابتداء بما بعد الوقف التام أو الكافي جوازا مطلقا ويجوز الابتداء بما بعد الوقف الحسين إن كان الوقف على رأس آية فقط، ويرد على قول ابن الجزري أن القارىء أحيانا يضطر إلى الابتداء ببعض المواضع مع أنها قد تكون متعلقة بما قبلها في اللفظ والمعنى؛ وذلك لطول الفاصلة في كلام مقول عن الكفار أو الشيطان ولا يمكنه نفسه من الإتيان على كل هذا القول فيضطر إلى الوقف في أي موضع ثم يبدأ بعده إذا لا فائدة عندئذ للعودة إلى بداية قولهم لعدم تمكن النفس من ذلك مثل قوله تعالى: (وقال الشيطان لما قضى الأمر إن الله وعدكم ... إلى آخر الآية) (إبراهيم: ۲۲)، وقوله تعالي: ( وقال الملأ من قوله الذين كفروا وكذبوا بلقاء الأخرة
.. إلى آخر قولهم) (المؤمنون: ۳۳- ۳۸).
* الأمثلة :
(أ) ١- (إن الذين كفروا سواء عليهم .......)
٢- (ختم الله على قلوبهم ...)
٣- (الحمد لله رب العالمين)
(ب) ١- (قالوا اتخذ الله ولدا)
٢- (تبت يدا أبي لهب وتب)
* الشرح:
الأمثلة (أ): البدء بقوله تعالى " إن الذين كفروا "، ابتداء تام لأنه أفاد معنی غیر متعلق بما قبله لفظا ولا معنى؛ لأنه ابتداء كلام عن صنف من الناس وهم الكفار بعد الحديث عن المؤمنين.
وفي المثال الثاني: "ختم الله على قلوبهم" الكلام المبدوء به مفيد وهو مرتبط بما قبله في المعنى دون اللفظ لأنه جملة استئنافية تحدد مصير وجزاء الكافرين المذكورين في الآية السابقة وكل ما يتشابه مع الابتداء الكافي.
والمثال الثالث: ب "رب العالمين "لا يفيد معنی بالرغم من أن الوقف على ماقبله يفيد معنى وذلك لشدة ارتباط المبدوء به بما قبله لفظا ومعنى؛ الرجوع والابتداء بما قبله.
الأمثلة (ب): لا حظ المعنى المترتب على البدء بما بين الأقواس تجد أنه يفيد معنى غير المراد وهو معنى فاسد قبيح ومثل هذا لا يجوز البدء به مطلقا كما لا يجوز الوقوف على ما قبله.
* القاعدة:
* الابتداء: هو الشروع في القراءة بعد وقف وينقسم إلى:
١- ابتداء اختباري ۲- وابتداء اضطراري ۳- وابتداء اختياري.
أما الاختباري فيكون عند البدء بمواضع في مقام التعليم والاختبار لبيان كيفية البدء بها مثل: الابتداء بهمزة الوصل. والاضطراري هو البدء بقول الكفار وذلك لطول الفاصلة مثل البدء ب (وإذ قالوا الله إن كان هذا هو الحق من عندك فأمطر علينا...)؛
والاختياري يكون بمحض اختيار القارئ وينقسم إلى: جائز وغیر جائز.
أما الابتداء الجائز ویسمی بالابتداء الحسن، فينقسم إلى نوعين:
الأول: الابتداء التام ويعني البدء بكلام مستقل عما قبله لفظا ومعنى.
الثاني: الابتداء الكافي ويعني البدء بكلام متعلق بما قبله في المعنى دون اللفظ.
وأما الابتداء الغير جائز فينقسم إلى نوعين:
الأول: القبيح وهو البدء بكلام لا يفيد معنى لتعلقه بما قبله في اللفظ والمعنى غير أنه لا يوهم معنى غير المراد وغالبا ما يكون بعد الوقف الحسن.
الثانية: الأشد قبحا وهو البدء بكلام فاسد يغير المعنى كالأمثلة (ب).
* تعليقات عامة على باب الوقف والابتداء :
التعليق الأول١ "أن مراعاة الوقف والابتداء هو واجب صناعي" بمعنى أن القارئ الماهر المتقن يلزمه معرفة الوقف والابتداء؛ لأنه يحقق المعنى المراد من التلاوة ويعين على فهم الآيات وعليه فإن من أخطأ في وقف أو ابتداء غير متعمد فلا إثم عليه.
التعليق الثاني (۲): هناك بعض الألقاب تطلق على بعض مواضع الوقف في القرآن وهي غالبا ما تندرج تحت واحد من الوقوفات التي ذكرناها (التام - الكافي - الحسن - القبيح) ولكنها انفردت بهذه التسمية لعلة توجد فيها وهي كالآتي:
١- وقف البيان: وهو الوقف على كلام يبين معنى قد لا يدرك هذا المعنى عند وصل الكلام بما بعده أو قد يتغير المعني بوصله وأمثلته:
(أ) الوقوف على (توقروه) والبدء بقوله: (وتسبحوه ) (الفتح: ۹) لاختلاف عود الضمائر فالضمير في الكلمتين تعزروه وتوقروه عائد على النبي -صلى الله عليه وسلم- وأما الضمير في تسبحوه فعوده إلى الله سبحانه وتعالى".
(ب) الوقف على قوله تعالى: (أن صوم عن المسجد الحرام أن تعتدوا   وتعاونوا) (المائدة: ۲) فالوقف على تعتدوا وقف بیان؛ لأن الواو في وتعاونوا واو استئنافية ولو وصلنا لصار ما بعده معطوفا على ما قبله ويصير المعنى أن تعتدوا وتعاونوا، وغير ذلك في القرآن كثير وليس له علامة في المصحف غالبا وقد يوضع على بعض مواضعه (م) أو (قلي).
٢- وقف المراقبة: ويسمى أيضا وقف المعانقة وسبب تسميته بهذا الاسم؛ لأنه يتمثل في وجود وقفين متتالين يراقب القارئ كلا الوقفين فإن وقف على الأول وصل الثاني وإن، وصل الأول وقف على الثاني، فكلا الوقفين مرتبطان بعضهما كالمتعانقين وإنما كان ذلك؛ لأن وصل كليهما أو الوقف على كليهما قد يغير المعنى مثل:
أ - في أول البقرة الوقف على (لا ريب) فإنه يراقب قوله (فيه) وعلامته في المصحف وضع ثلاث نقاط على كلا الوقفين وغالبا يندرج تحت الوقف الكافي ويحتاج هذا الوقف في معرفة معناه إلى دقة في النظر ومعرفة بالتفسير.
٣- وقف التعسف: هو أن يتكلف القارئ وقفا ما لمعنى من عنده هو غير مقصود من كلام رب العالمين ويندرج تحت الوقف القبيح مثل.
١- الوقف على قوله تعالى (وارحمنا أنت) ثم يبدأ (مولانا انصرنا على القوم الكفرين) فجعل (مولانا) في وضع النداء وهي في الحقيقة خبر أنت.
٢- والوقف على قوله (أم لم تنذر) والبدء (هم لا يؤمنون) حيث جعل الضمير المتصل ضميرا منفصل ليكون مع ما بعده جملة من مبتدأ وخبر.
٤- وقف المزاوجة أو الازدواج: وهو الوقف على الجملة الثانية من جملتين يمكن الوقف على كل واحدة منهما لكن الوصل يفيد تمام المعنى، وهاتان الجملتان يحمل كل منهما ألفاظا عكس الأخرى مثل (لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت) ومثل (تخرج الى بين الميت وتخرج الميت من الكي) ومثل (تولج الليل في النهار وتولج النهار في اليلي) ومثل (من عمل صيحا قلتفيه، ومن أبناء عليها) ويندرج هذا تحت الوقف الكافي.
٥ - الوقف على بلي ونعم وكلا:
أ- بلي وقعت في القرآن في اثنين وعشرين موضعا وهي على ثلاثة أقسام:
١- قسم يختار الوقف عليه: وهو من قبيل الوقف الكافي وهو عشرة مواضع ثلاثة بالبقرة (أم تقولون على اللي ما لا تعلمون «٨٠» بلی (۸۱))، (قل هاتوا برهتكم إن كنتم صادقين «١١١» بلى) (۱۱۲)"، (قال أولم تؤمن قال بلی) (۲۰۰)".
.(۷۹)
- وواحد بآل عمران (يقولون على الله الكذب وهم يعلمون «٧٥» بلى
- وواحد بالأعراف ( ألست بربكم قالوا بلى) (۱۷۲)
- وأول موضع في النحل ( ما كنا نعمل من سوء بلی )(۲۸) .
- وواحد بيس (بقادر على أن يخلق مثلهم بلی) (۸۱) ".
-وواحد بغافر ( قالوا أولم تك تأتيكم رسلكم بالبينات قالوا بلى) (50) :.
-وأول موضع في الأحقاف (بقادر على أن يحي الموتى بلى) (۳۳) .
-وواحد بالانشقاق (إنه ظن أن لن يحور بلی) (۱۰) ۲- قسم يمتنع الوقف عليه فهو ليس بمحل وقف وهو سبعة مواضيع:
- واحد بالأنعام (قال أليس هذا بالحق قالوا بلى وربنا) (۳۰)
- وواحد بالنحل الموضع الثاني منها ( وأقسموا بالله جهد أيمنهم لا يبعث الله من يموت بلى ...) (۳۸) .
- وواحد بسبأ " وقال الذين كفروا لا تأتينا الساعة قل بلى وبي) (۳) .
- وواحد بالزمر (لى كرة فاكون من المحسنين بلی... )(59) ".
- وواحد بالأحقاف الموضع الثاني منها " أليس هذا بالحق قالوا بلى وربنا)
- وواحد بالتغابن (زعم الذين كفروا أن لن يبعثوا قل بلى وربي) (۷)
- وواحد بالقيامة ،( ألن نجمع عظامه بلی) (4) .
٣- قسم مختلف فيه بين الوقف عليه أو وصله بما بعده في خمسة مواضع:
-أولها الموضع الثاني في آل عمران ( بلى إن تصبروا وتتقوا ... )(۱۲۰) 
ثانيها الموضع الثاني بالزمر ( وينذرونكم لقاء يومكم هذا قالوا بلى)
- ثالثها الزخرف( بلى ورسلنا لديهم يكتبون) (۸۰) :.
-رابعها الحديد (ينادونهم ألم نكن معكم قالوا بلى) (14) ".
-خامسها الملك (قالوا بلى قد جانا نذیر )(۹) ".
ب- كلمة (نعم): جاءت في أربعة مواضع يوقف على موضع واحد منها فقط في سورة الأعراف " (فهل وجدتم ما وعدكم ربكم حقا قالوا نعم)(4) .
والمواضع الباقية لا يوقف عليها وهي الثاني في الأعراف ( قال نعم وإنكم لمن المقربين) (114) "، والشعراء (قال نعم وإنكم إذا لمن المقربين )(٤۲) ، الصافات ( قل نعم وأنتم داخرون) (۱۸) ".
ج - كلمة (كلا) وقعت في القران في ثلاثة وثلاثين موضعا كلها في النصف الثاني من القرآن وهي على أربعة أقسام:
القسم الأول: يحسن الوقف عليه على معنى الردع وهو الاختيار ويجوز الابتداء به بمعنى حقا وذلك في أحد عشر موضعا وهي:
- الأول والثاني بمريم (كلا سنكتب ما يقول) (۷۹) ،(كلا سيكفرون بعبادتهم) (۸۲)".
- الثالث بالمؤمنين (لعلى أعمل صالحا فيما تركت كلا) (۱۰۰) :.
- الرابع في سبأ ( قل أروني الذين ألحقتم به شركاء کلا) (۲۷) .
- الخامس والسادس بالمعارج (كلا إنها لظى) (١٥) "، (  كلاإنا خلقتهم مما يعلمون )(۳۹) ".
- السابع والثامن بالمدثر" (كلا إنه كان يا عنيدا) (١٦) ، (كلا بل لا يخافون الآخرة) (53) .
- التاسع بالمطففين( كلا بل ران على قلوبهم) (14) .
-العاشر بالفجر( كلا بل لا تكرمون اليتيم)(۱۷) ".
- الحادي عشر بالهمزة" كلا لبنبذن في الحطمة)(4) .
القسم الثاني: ما لا يحسن الوقف عليها ولا الابتداء بها بل توصل بما قبلها وبما بعدها وهما موضعان الأول بالنبأ (كلا سيعلمون (5))، والثاني بالتكاثر
(ثم كلا سوف تعلمون (4) ).
القسم الثالث : ما يحسن الوقف عليها ولا يبتدأ بها وهما موضعان في الشعراء الآيتان ( قال كلا فاذهبا يئايتنا إنا معكم مستمعون (۱۰) ، قال كلا إن معي ربي سيهديني (۱۲) ).
القسم الرابع: ما لا يحسن الوقف عليها ولكن يبدأ بها وهو الثمانية عشرة موضعا المتبقية:
- الأول والثاني بالمدثر الآيتان (كلا والقمر) (۳۲)"، كلا إنه تذكرة (٥٤)".
-الثالث والرابع والخامس بالقيامة (كلا لا وزر) (11) ، (كلا بل تحبون العاجلة) (۲۰) ،(كلا إذا بلغت التراقي) (۲۹) ".
-السادس بالنبأ "كلا سيعون (4) ".
-السابع والثامن بعبس (كلا إنها تذكرة) (۱۱) "، (كلا لما يقض ما أمره) "(۲۳)
- التاسع بالانفطار (كلا بل تكذبون بالدين) (۹) ".
-العاشر و الحادي عشر والثاني عشر بالمطففين (كلا إن كتب الفجار في سجين) (۷) "، (كلا انهم عن ربهم يومئذ لمحجولون) (۱۰) "، (كلا إن كتاب
الأبرار في عليين) (۱۸) ".
-الثالث عشر بالفجر (كلا إذا دكت الأرض دكا دكا)(٢١)
-الرابع عشر والخامس عشر والسادس عشر بالعلق (كلا إن الانسان ليطغى) ، (كلا لئن لم ينته لنسفعا بالناصية) ،(كلا لا تطعه واسجد واقترب)
-السابع عشر والثامن عشر بالتكاثر (كلا سوف تعلمون) ، (كلا لو تعلمون علم اليقين).
• التعليق الثالث (3) الصحيح أنه ليس للوقف القبيح علامة في المصحف وأما كلمة "لا" فإنها تعني لا تقف بسبب شدة الارتباط في اللفظ بين ما عليه العلامة وما بعده حتى إن البعض ذهب إلى أن "لا" علامة للوقف الحسن.
• التعليق الرابع (٤) قال ابن غازي: يغتفر عند طول الفواصل والقصص والجمل المعترضة ما لا يغتفر في قصرها وقد سمي هذا السجاوندي المرخص ضرورة مثل قوله تعالى (حرمت عليكم أمهاتكم........... إلى آخر الآية ).
• التعليق الخامس (٥) حكم الوقف والابتداء واجب صناعي لا شرعي بمعنى أن قول الأئمة يجوز الوقف أو لا يجوز إنما يريدون الوقف الذي يحسن في القراءة ويروق في التلاوة ولا يريدون به كونه حراما أو مكروها والواجب الصناعي هو ما تقتضيه مهارة الأداء وحسن التلاوة.
• التعليق السادس (٦) لتعلم الوقف والابتداء طريقان هما:
أ- الطريق الأول: التقليد بمعنى أن الطالب يقلد الوقف والابتداء في المصحف ويتتبع العلامات ويلتزم بها دون أن يعرف علل هذه الوقوفات وتوجيهاتها.
ب- الطريق الثاني: هو طلب العلوم التي تعين على معرفة الوقوف وعللها ونقد مواضعها والاجتهاد في تحديد مواضع للوقف لم ينص عليها الأئمة وهذا الطريق يحتاج إلى همة وهو يطلب بلا شك من المقرئين والمشايخ الذين يتصدون للإقراء والتعليم، والعلوم المتعلقة بالوقف والابتداء هي:
١- علم القراءات.
۲- علم التفسير.
۳- علم اللغة " الإعراب ".

تعليقات